وحدة الأديان.. ردة عن الإسلام ونقض لأصول الاعتقاد

د. أحمد ناج

لا يخفى على أحد ما يكابده المسلمون في شتى بقاع الأرض من أزمات شتى، ففي الوقت الذي يقاوم فيه دعاة الإسلام موجات الإلحاد والزندقة، وردِّ دعاوى الجاهلية القديمة والحديثة، وردع عاديات التغريب، والانحراف، أطلت علينا محنة أخرى من أبشع المحن التي تعرض لها الإسلام والمسلمون؛ إذ نزعت في المواجهة نزعاً عنيفاً بوقاحة، كيداً للمسلمين، وطعناً في الدين، لإفساد رغبة التدين بالإسلام، والدخول فيه، وتذويب شخصيته في معترك الأديان، ومطاردة التيار الإسلامي، وكبت طلائعه المؤمنة، وسحب أهله عنه إلى ردة شاملة.

وذلك فيما جَهَرَ به اليهود والنصارى وأتباعهم، من الدعوة إلى الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان؛ «وحدة الأديان»، وزرع خلاياهم في كل مكان من أعماق الأمة، وإذابة المسلمين معهم في قالب واحد، فلا ولاء، ولا براء، ولا يوجد مسلم وكافر فالكل عند الله تعالى سواسية! 

من هنا وجب علينا أن نتوقف عند هذه الكذبة «وحدة الأديان» التي ينادي بها البعض: ما الباعث لها؟ وما الغاية التي ترمي إليها؟ وما مدى مصداقية شعاراتها؟ وعن حكم الإسلام فيها، وحكم الاستجابة لها من المسلمين، وحكم من دعا إليها، ومهد السبيل لها بين المسلمين، ونشرها في ديارهم، ونتناول هذه الكذبة من جانبين: 

الجانب الأول: السرد التاريخي لهذه الكذبة:

بتتبع المراحل التاريخية لهذه الكذبة، نجدها قد مرت بأربع مراحل زمانية، هي:

1- مرحلتها الأولى كانت في عصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم أن اليهود والنصارى في محاولة مستمرة؛ لإضلال المسلمين عن إسلامهم، وردهم إلى الكفر، ودعوتهم إلى اليهودية أو النصرانية فقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109)، وقال تعالى: (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (البقرة: 135).

وهكذا في عدد من الآيات التي نتلوها في كتاب الله تعالى؛ لنحذر تلبيس اليهود والنصارى، وغيرهم، كما قال تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 42)؛ قال ابن جرير الطبري عند هذه الآية: عن مجاهد أنه قال: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ) اليهودية والنصرانية بالإسلام، وفي تفسير ابن كثير عن قتادة أنه قال عند هذه الآية: ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، إن دين الله الإسلام.

2- مرحلة الدعوة إليها بعد انتهاء القرون المفضلة: ثم بدت محاولاتهم مرة أخرى تحت شعار اخترعوه، وموهوا به على ضعاف العلم والإيمان، وهو أن اليهودية، والنصرانية، والإسلام هي بمنزلة المذاهب الفقهية الأربعة عند المسلمين كل طريق منها يوصل إلى الله تعالى(1).

ثم تلقاها عنهم دعاة «وحدة الوجود» و«الاتحاد» و«الحلول» وغيرهم من المنتسبين إلى الإسلام من ملاحدة المتصوفة، حتى بلغت الحال أن بعض هؤلاء الملاحدة يجيزون التهود، والتنصر، بل فيهم من يرجح دين اليهود والنصارى على دين الإسلام، وهذا فاشٍ فيمن غلبت عليهم الفلسفة منهم، ثم انتقلوا إلى أن أفضل الخلق عندهم هو «المحقق»؛ وهو الداعي إلى الحلول، والاتحاد، ولقد كشفهم شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كتبه(2)، وقد قُمِعَت هذه الدعوة الكفرية بمواجهة علماء الإسلام لها، والمناداة عليها، وعلى منتحليها، بأنها كفر وردة عن الإسلام.

3- وقد خمدت حيناً من الدهر محتجزة في صدور قائليها، المظهرين للإسلام، المبطنين للكفر والإلحاد، حتى تبنتها في النصف الأول من القرن الرابع عشر، حركة «صن مون التوحيدية»(3)، وقبلها «الماسونية» تحت غطاء الدعوة إلى وحدة الأديان الثلاثة، ونبذ التعصب بجامع الإيمان بالله، فكلهم مؤمنون.

4- وكنا نعتقد أن هذه الكذبة قد انتهت للأبد، إلا أننا فوجئنا بالمرحلة الرابعة في ظل «النظام العالمي الجديد»، و«التطبيع مع الكيان الصهيوني» جهر اليهود، والنصارى، بالدعوة إلى التجمع الديني بينهم وبين المسلمين، وبعبارة أخرى «التوحيد بين الموسوية، والعيسوية، والمحمدية» باسم الدعوة إلى التقريب بين الأديان (التقارب بين الأديان)، ثم باسم «نبذ التعصب الديني»، ثم باسم «الإخاء الديني»، وباسم «مجمع الأديان»، وباسم «الصداقة الإسلامية المسيحية»، ثم أخرجت للناس تحت عدة شعارات «وحدة الأديان»، و«توحيد الأديان»، و«توحيد الأديان الثلاثة» (الإبراهيمية، الوحدة الإبراهيمية، وحدة الدين الإلهي).

الجانب الثاني: حكم الإسلام في هذه الكذبة:

من أصول الاعتقاد في الإسلام اعتقاد توحد الملة والدين في التوحيد، والنبوات، والمعاد، والإيمان بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وما تقتضيه النبوة والرسالة من واجب الدعوة، والبلاغ، والتبشير، والإنذار، وإقامة الحجة، وإيضاح المحجة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بإصلاح النفوس، وتزكيتها، وعمارتها بالتوحيد، والطاعة، وتطهيرها من الانحراف، والحكم بين الناس بما أنزل الله، واعتقاد تعدد الشرائع وتنوعها في الأحكام، والأوامر والنواهي.

وهذا الأصل هو جوهر الرسالات كلها، وإن الدعوة إلى توحيد دين الإسلام الحق الناسخ لما قبله من الشرائع، مع ما عليه اليهود والنصارى من دين دائر بين النسخ والتحريف، هي أكبر مكيدة عُرفت لمواجهة الإسلام والمسلمين اجتمعت عليها كلمة اليهود والنصارى بجامع علتهم المشتركة، «بغض الإسلام والمسلمين»، وغلفوها بالشعارات اللامعة، وهي كاذبة خادعة.

فهي في حكم الإسلام دعوة بدعية، ضالة كفرية؛ لأنها تصطدم مع بديهيات الاعتقاد، وتنتهك حرمة الرسل والرسالات، وتبطل صدق القرآن الكريم، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع، وتبطل ختم النبوة والرسالة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فهي شبهة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من كتاب وسُنَّة، وإجماع.

ولهذا، فلا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، الاستجابة لهذه الكذبة، ولا الدخول في مؤتمراتها، وندواتها، واجتماعاتها، وجمعياتها، ولا الانتماء إلى محافلها، بل يجب تركها، والتحذير من عواقبها، وطردها عن ديار المسلمين، وعزلها عن شعورهم، ومشاعرهم والقضاء عليها.

وليعلم كل مسلم عن حقيقة هذه الكذبة: أنها فلسفية النزعة، سياسية النشأة، إلحادية الغاية، تستهدف الإسلام والمسلمين في:

1- إيجاد مرحلة التشويش على الإسلام، والبلبلة في المسلمين، وشحنهم بسيل من الشبهات، والشهوات؛ ليعيش المسلم بين نفس نافرة، ونفس حاضرة.

2- تأتي على الإسلام من القواعد، مستهدفة إبرام القضاء على الإسلام واندراسه، ووهن المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدِه.

3- حل الرابطة الإسلامية بين العالم الإسلامي في شتى بقاعه؛ لإحلال الأخوة البديلة اللعينة (أخوة اليهود والنصارى).

4- وتستهدف صياغة الفكر بروح العداء للدين في ثوب «وحدة الأديان»، وسلخ العالم الإسلامي من ديانته، وعزل شريعته عن الحياة، حينئذ يسهل تسريحه في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدامة، مفرغا من كل مقوماته، وجعل المسلم في محطة التلقي لِمَا يملى عليه من أعداء دينه.

5- وغاية الغايات لهذه الكذبة بسط جناح أهل الكفر على العالم بأسره، والتهامه، وعلى العالم الإسلامي بخاصة؛ لغزو شامل ضد الإسلام والمسلمين بشتى أنواع النفوذ؛ الفكري، والثقافي، والاقتصادي، والسياسي، وإقامة سوق مشتركة، لا تحكمها شريعة الإسلام، ولا سمع فيها ولا طاعة لخُلق فاضل أو فضيلة(4)

شبهة أخيرة: ما المانع أن تتعاون كل الأديان في إسعاد البشرية؟!

قد يقول قائل: ما المانع أن تتعاون كل الأديان في إسعاد البشرية؟ ونقول في تفنيد هذه الشبهة: إن الإسلام يدعونا إلى بر كل إنسان لم تمتد يده بالأذى للمسلمين، قال تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة: 8)؛ ولكن في الوقت نفسه حذَّرنا الله تعالى من حقد هؤلاء علينا فقال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة: 120)، فكيف نتعاون مع أناس لا يعترفون بنا ويضمرون لنا كل شر(5)؟!

________________

(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، د. مانع بن حماد الجهني (22/ 669 – 674)، بتصرف.

(2) الرد على المنطقيين، ابن تيمية، ص282 – 283، بتصرف.

(3) حركة مشبوهة تدعو إلى توحيد الأديان وصهرها في بوتقة واحدة بهدف إلغاء الفوارق الدينية بين الناس لينصهروا جميعاً في بوتقة (صن مون) الكوري الذي ظهر بنبوة جديدة في هذا العصر الحديث.

(4)  كتاب «صحوة الرجل المريض»، موفق بني المرجة (1/ 345)، بتصرف.

(5) «الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان»، د. بكر بن عبدالله أبو زيد، بتصرف.

وحدة الأديان.. ردة عن الإسلام ونقض لأصول الاعتقاد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *