هناك مثل قديم يقول: إذا أعطيت الرجل سمكة فإنك ستطعمه ليوم واحد، وإذا علمت الرجل كيف يصطاد السمك، فإنك ستطعمه طوال عمره، وإذا تم إضافة شيء جديد، يقوم على اختراع طريقة أفضل للصيد، أو لزراعة الأسماك، أو لبيع الأسماك، أو تغيير الأسماك (الهندسة الوراثية)، أو العمل على منع الصيد المفرط الجائر في البحار، فسوف تطعم عدداً كبيراً من البشر؛ لأن هذه الطرق تمكن إعادة استخدامها ومن ثم ستنتشر في العالم دون تكلفة.

وعادة، وحسب الظروف، فإن اختراعك قد يؤدي إلى تحقيق ثروة لك، فالأفكار الجديدة، أكثر من الادخار والاستثمار أو حتى التعليم، هي مفتاح تكوين الثروات الخاصة، ولثروة الأمم أو للنمو الاقتصادي بمعنى آخر، بكل ما يتضمنه من فوائد لا يمكن حصرها.

بول رومر.. وولادة «اقتصاد المعرفة»

ومع ذلك، لم يتم التركيز على اقتصاد المعرفة حتى أكتوبر 1990م، عندما قام اقتصادي في السادسة والثلاثين من عمره يُدعى بول رومر، بنشر نموذج رياضي للنمو الاقتصادي في إحدى المجلات المعروفة، كان عنوان الورقة البحثية بسيطاً أو مخيفاً بطريقة خادعة؛ «التغيير التكنولوجي الداخلي».

شهادة دافيد وارش.. كاتب «المعرفة وثروة الأمم»

يقول دافيد وارش، صحفي ومؤلف: إن الآراء القوية التي تضمنها كتاب «المعرفة وثروة الأمم» لم تأت إلا عن طريق الإخلاص في العمل، وكنت مثل كثيرين، قد قرأت ورقة ألن يونج البحثية عن التقدم الاقتصادي وتزايد العوائد، قبل أن أقرأ بوقت طويل ورقة رومر، وكنت في الواقع، قد أمضيت نحو 12 عاماً وأنا أحاول اختراق الأسرار التي يحاول الاقتصاديون إفشاءها حول التخصص ونمو المعرفة، دون نجاح من جانبي، أو كما بدا لي.

يقول وارش: يروي كتابي قصة ورقة بحثية تقنية في الاقتصاد والأحداث التي أدت إلى نشرها عام 1990م، وبعض التغييرات اللاحقة التي طرأت على إدراكنا للعالم، وهدفي الفرعي هو أن أنقل شيئاً عن الطريقة التي يتم من خلالها الاقتصاد في الجامعات في الوقت الحاضر، لأنه هناك يتم العمل وليس في البنوك المركزية أو المكاتب الحكومية أو مؤسسات وول ستريت، وهذا هو أهم عمل يمكن إنجازه.

ثم يقول: لقد عملت صحفياً اقتصادياً لعدة سنوات، وكانت قدراتي في الرياضيات بدائية، ولكن لديَّ خلفية واسعة من المعرفة الاقتصادية، لأنني تتبعت المجال بدرجة من التوسع لعدد من السنوات، وقد تم تأليف هذا الكتاب من وجهة نظر، شخص خارجي يقدر المجال، ولكنه لم يتخل بشكل كامل عن شكوكه.

كيف أصبحت الرياضيات لغة الاقتصاد؟

يقول وارش: لماذا أركز على خيط واحد من العمل؟ لقد كان التقدم في الاقتصاد سريعاً، وتم توسيع منظوره وزيادة عموميته، للحقيقة فقد جذبت قصة النمو الحديث انتباهي أولاً، لأنني كنت مهتماً بالتخصص ونمو المعرفة، وقد أصبحت أنظر إليها منذ ذلك الوقت على أنها قصة تمثل اهتمامي، وفي الوقت نفسه تصوير لكيفية تحول الرياضيات إلى لغة للعمل في الاقتصاد الحديث، وقد قمت بتغطية كثير من الأحداث العامة في هذه القصة كما وقعت تماماً، وغالباً في الاجتماعات والمنافسات التي دارت بعد ذلك، إنه نوع غريب من الأفكار في حقيقة الأمر.

المنافسة الفكرية تقود الاكتشاف الاقتصادي

إن قصة النمو الحديث توضح كيف حدث الاكتشاف الاقتصادي، في المنافسة الفكرية المحتدمة بين المجموعات الصغيرة من الباحثين العاملين في جامعات متنافسة، ومن هذه المنافسة تبزغ تحولات عرضية في مفاهيم العالم، تعكس في الوقت نفسه العمل التراكمي للأجيال والرحلات عابرة الحدود لشركاء البحث، وتدريجياً تشق هذه التحولات طريقها إلى الخارج، كالتموجات التي تنتشر جراء إلقاء حصاة في إحدى البرك، حتى يتحول إدراكهم الأصلي للأشياء إلى إدراكنا نحن أيضاً، قصة مثيرة ودرس مهم يتعلق بالمعرفة والنمو الاقتصادي وثروة الأمم.

اقتصاد المعرفة.. كيف تقود الأفكار النمو الاقتصادي الحديث؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *